الأحد، 25 أبريل 2010

مات أبي ؟



مات أبي ؟

نعم ... هي جملة إنشائية .. استفهامية ...
فلستُ أدري هل مات حقا أم لا !!
لست أدري هل مات حقا أم أنني في حلم .... لكنَّ عهدنا بالأحلام أنها لا تطول هكذا !
لم أكن أتصور أنه سيأتي اليوم الذي لا نرى فيه أبانا في البيت !
ولم أكن أصدق أنه مات عندما رأيته بعد صعود روحه إلى بارئها !
وعند الغسل .. كنتُ كلما قلّبه المغسِّل أقول : سيتحرك الآن .. سيقوم الآن !! غير أنه ما تحرك وما قام !!
وعندما وُضع أمامي للصلاة عليه ... لم أكن أصدق أنه أبي !!
وعند إنزاله القبر ما كنتُ أصدق أن هذا المكفَّن هو أبي الذي كان بيننا !!
وبعدما أُغلق عليه القبر وأُعطيتُ مفتاحه .. لم أكن أصدق أنني أمسك مفتاحا لقبرٍ فيه أبي !!
وبعدما انصرفنا لم أكن أصدق أنني تركتُ أبي ... أو أنه هو الذي تركنا ... وأنني سأعود إلى البيت فلا أراه !!
وربِّي ... إلى اللحظة لا أصدق أنه مات !!!

علمتُ الآن كيف هَذَى عمر بن الخطاب عندما مات من صار أحب إليه من نفسه التي بين جنبيه .. الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم .... ومَن عمر ؟! إنه الرجل الذي وأد ابنته في الجاهلية بقلب كالحجر بل كان أشد قسوة .... إنه عمر ذو العقل الراشد والقلب المكين !!

أدركتُ الآن ذلك الشعور القاسي .. حين يصحو الإنسان من نومه فلا يجد أباه !! وعلمتُ كم هي مأساة ومعاناة أبناء الشهداء الذين يسقطون بالمئات في غزة وغيرها من بلاد المسلمين المستهدفة ....

مات أبي الحبيب بعد أربعة أشهر من المرض ، وبعدما تدهورتْ حالته الصحية العامة قبل حوالي عشرة أيام من موته ..
مات بعدما بيَّن لنا ما له وما عليه .. وبعدما أوصانا بأن يكفَّن في ثياب الإحرام ، وبأن نهتمّ بالمسجد الذي بناه ..
مات أبي الحبيب !! وقد عهدته سنين طوالا لا تفوته تكبيرة الإحرام في الجماعة الأولى حتى أقعده المرض عن النزول إلى المسجد .. غير أنه ما ترك صلاة حتى مات ، وكان في غيبوبته الأخيرة كلما تنبَّه سأل عن موعد الصلاة !!!
مات أبي الحبيب بعدما صفي صدرُه من كل غلّ وبعدما زاره كل أحبابه ومن يعرفونه واسترضاهم جميعا واستسمحهم !!
مات بعدما قضى آخر أسبوع من حياته في الدعاء لنا والتلطُّف معنا أكثر من أي وقت مضى !!
مات بعد ساعات من قوله : أحمد هو الذي يردّ روحي !!
كانت أمنيته أن يراني معيدا في الجامعة ، بعدما تأخر استلامي للعمل حوالي ثلاث سنوات عن موعده الأصلي ... وقد تحقق ما كان يرجو قبل موته بشهور !!

نحسبك على خير يا أبي ، ولا نزكيك على الله ...

إن القلب ليحزن ، وإن العين لتدمع ، وإنا لفراقك يا أبانا لمحزونون ... ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ....


إنا لله وإنا إليه راجعون





-------------------------

5 أبريل 2010