وعزمتُ على القيام بتجديدات شاملة فيه ، في المظهر والمخبر معًا .. وشرعنا جميعًا - رُوَّادَ المسجد - في أعمال تجديداته ، مستعينين بالله وعازمين على تنفيذ كل ما نستطيعه بأيدينا دون استئجار حِرَفيَّين أو أنفارٍ لذلك ... كبارنا مع صغارنا جنبا إلى جنب .. شيوخ وشباب وأشبال ... بل ونساء أيضا !
وكانت تسودنا رُوح عظيمة وفرحة غامرة لأننا نعمل في مسجد ونعمِّر بيتًا من بيوت الله ، لا يصيبنا تعب ولا مَلَل ، نتدافع نحو العمل تدافعًا ، لا يتخاذل عنه أحد أو يتباطأ ... ووالله لو لم يكن لنا ثواب غير هذه الفرحة وتلك الروح لَمَا رجونا أكثر من هذا !
وكان حاضرًا أمام ذهني وقتها مشهدُ بناء المسجد الأول في المدينة المنوَّرة بهجرة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم .. إذ بُنِي بسواعد المؤمنين ، واشترك معهم الرسول صلى الله عليه وسلم في حمل اللَّبِنات والأحجار ، وكان الصحابة يستمدُّون منه الحماسة إذ يرونه يَجْهَد كأحدهم ويكره أن يتميز عليهم ، حتى ارتجز بعضهم بهذا البيت :
لئن قعدنا والرسولُ يعمل *** لذاك منا العمل المُضلَّل
مواقف كثيرة مررنا بها في هذا اليوم المبارك ... أذكر منها موقفًا لشبل لا يتجاوز عمره أربع سنوات ، جاءني بجنيهينِ اثنين وقال لي : هذا للمسجد !! ورُبَّ جنيهٍ سبق أَلْفًا ..
وكان من لا يستطيع التبرع بالمال يعطينا من قُوَّته وخبرته في حِرْفته ، أو في المساعدة بما يستطيع ، وآخرون يتسابقون في ملاحقتنا بالمشروبات كل ساعة ...
وصدق من قال :
أمة تنام .. ولكنها لا تموت